جاء رمضان وهبّت نسائمه فانتشت النفوس وغمرها الفرح والسرور حتى فاضت البشاشة على وجوه الصائمين وصارت تشعّ بالأنوار وكأنّها بدور مشرقة بالأسحار ..
فانظر إليهم وجنوبهم تتجافى عن المضاجع وقد تركوا لذّة النوم والمآنسة ليجدّدوا عهد الإيمان ويعيدوا تلك الوشائج الروحانية في قلوبهم
فيا لهم من محبّين تعلّقت قلوبهم بالعرش وحامت أرواحهم حوله
ذكروا الله فذكرهم بخير ما يذكر به الحبيب حبيبه ففاضت قلوبهم بالرحمة وغشيتهم السكينة وبشّرتهم الملائكة في الطرقات
جاء شهر الصيام فأشرقت الأرض بنور ربّها وغرّدت البلابل في أغصانها فرحا بقدومه وحلول بركاته
رمضان شهر المغفرة
رمضان شهر الرحمة
رمضان شهر السكينة
رمضان شهر الألفة
رمضان شهر المحبة
رمضان شهر الخلق الحسن والذكر الجميل
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( قال الله عزّ وجلّ : (كلّ عمل ابن آدم له إلاّ الصيام فإنّه لي وأنا أجزي به) والصيام جنّة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل إنّي صائم مرتين والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك وللصائم فرحتان يفرحهما : إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه ) متفق عليه
فانظر عبد الله في قولك وعملك وانظر قبل ذلك في قصدك ونيّتك ولتكن كما يحبّه ربّك منك وعلى ما تحبّ أن تلقاه به من الأعمال القلبية والعبادات البدنية والفرائض المالية وغيرها من أنواع القربات
يقول الإبراهيمي رحمه الله : ( ورمضان نفحة إلهية تهبّ على العالم الأرضي في كلّ عام قمري مرة وصفحة سماوية تتجلّى على أهل هذه الارض فتجلو لهم من صفات الله عطفه وبرّه ) (1)
ويقول أيضا : ( ورمضان مستشفى زماني يجد فيه كلّ مريض دواء دائه يستشفى فيه مرضى البخل بالإحسان ومرضى البطنة والنعيم بالجوع والعطش ومرضى الجوع والخصاصة بالشبع والكفاية ) (2)
من آداب الصوم
يستحب للصائم في رمضان ويسنّ له :
1 - السحور : لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تسحّروا فإنّ في السحور بركة) متفق عليه
ويستحبّ في السحور تأخيره لحديث أنس عن زيد ابن ثابت رضي الله عنه قال : ( تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلّمثمّ قام إلى الصلاة قلت : كم كان بين الأذان والسحور ؟ قال : قدر خمسين آية ) متفق عليه
2 - الجود ومدارسة القرآن : لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان جبريل عليه السلام يلقاه كلّ ليلة في رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرىن فإذا لقيه جبريل عليه السلام كان أجود بالخير من الريح المرسلة ) متفق عليه
3 - تعجيل الفطر : فعن سهل بن عبادة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يزال الناس بخير ما عجّلوا الفطر) متفق عليه
ومن تأمّل هذه الآداب وجدها تهدف إلى تزكية النفس وتطهيرها من الذنوب وتعويدها على الصلاح بما تثمره من تقوى يجد أثرها الصائم في نفسه وتظهر آثارها من حوله
قال العلامة ابن كثير رحمه الله
يقول تعالى مخاطبا للمؤمنين، من هذه الأمة، وآمرا لهم بالصيام، وهو الإمساك عن الطعام والشراب والوقاع، بنية خالصة لله عز وجل، لما فيه من زكاة النفوس وطهارتها وتنقيتها من الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة- إلى أن قال-في قوله تعالى ((لعلكم تتقون)): لأن الصوم فيه تزكية للبدن، وتضييق لمسالك الشيطان، ولهذا ثبت في الصحيحين: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة، فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)) [تفسير القرآن العظيم01/213)]
ويقول العلامة الميلي رحمه الله : (إذا تفقهت في الصيام وما شرع له الاسلام من آداب وجدته من خير ما يكمل المرء ويزكي النفس ويصلح المجتمع فان تكرر الصيام كالتردد على دروس راقية في التربية والأخلاق ومجيء رمضان من كل سنة كافتتاح مدرسة سنوية لذلك يقبل بها كل مكلف شرعا من مكلف طبعا بعمل جليل أو حقير في الهيئة الاجتماعية واذا فقهت ما في مدرسة الصيام من منافع للفرد والمجتمع فتصور سعادة الأسرة الانسانية الكبرى ولو أنها كلها دخلت هذه المدرسة ونجح معظم تلاميذها في فهم دروسها وإجادة تطبيقها ) (3)
فائدة :
جاء في كتاب الشمائل المحمدية للإمام الحافظ أبي عيسى محمد بن سورة ترمذيصاحب السنن رحمه الله : عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي امرأة فقال : من هذه ؟ قلت : فلانة (4) لا تنام الليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عليكم من الأعمال ما تطيقون فوالله لا يملّ الله حتى تملّوا) قال العلامة الالباني : صحيح
.................................................. ..
(1) - عيون البصائر
(2) - العلامة الميلي حياته وآثاره
(3) - اسم هذه المرأة هو : حولاء بنت تويت بن حبيب من رهط خديجة (الألباني)