تذكرت أمي ..............
أمي ... تلك الكلمة الرقيقة الجميلة .. التي تأنس إليها قلوبنا وترتاح في ظلها أرواحنا .. ونحس معها بالأمن والأمان , والسكينة والاطمئنان .. حروفنا الأولى .. كلماتنا التي بدأنا بها رحلتنا في هذه الحياة .
دوحتنا الوارفة التي نفيء إلى ظلها حين يلفحنا هجير الشمس ... نهرنا الفياض الذي نشرب منه الحنان والحب .. نبعنا الثر الذي يسقينا العطاء والصدق ... أنس وحدتنا ... صفاء ضحكتنا .. مصدر سعادتنا .
أمي .. قد مر على رحيلك شهور وكأنك لم تودعينا إلا بالأمس .. ما زالت كلماتك في آذاننا .. ودعواتك تطوف أركان البيت وتسكن في قلوبنا .. ما زالت يدك الحنون تمتد لتمسح دموعنا .. مازال حضنك الدافئ يضمنا ..ووصاياك الطيبة تنير لنا دربنا .
أمي تذكرتك .. فتذكرت كل المعاني الطيبة .. تذكرت طفولتي حينما كنت أحبو وأتعثر في ثوبي فتركضين نحوي في فرح وتأخذينني بين أحضانك .. تذكرتك وأنت تخرجين اللقمة من فمك وتضعينها في فمي .. وتذكرت فرحتك حينما دخلت المدرسة ودعواتك لي كل صباح .. وفرحتك يوم تخرجي من الجامعة .. وفرحتك الغامرة يوم زواجي .. وفرحتك الكبرى يوم أن رزقت بالولد .. كنا نكبر أمامك ويكبر معنا حبك .. وعانيت من المرض كثيراً لكن لم نرك إلا شاكرة صابرة .. أذكر وأنت في مرضك الأخير وقد أمسكت بورقة لأدفع بها الذباب عنك .. فتقولين : دفع الله عنك الهم والحزن يا بني وحبب فيك خلقه حتى الحصى في أرضه .. كم كانت دعوات خالصة صادقة من القلب.
ويوم رحلت ... يومها تساقطت على خدي دمعات لم تجف إلى الآن .. وعاينت ساعتها كل معاني اليتم التي كنت أسمع وأقرأ عنها .. وأحسست أن الحياة صارت خواءً من حولي .. وأن الدنيا لن تبتسم لي مرة ثانية .. رحمة الله عليك وعفوه ومغفرته ..اللهم إنها كانت دائماً تغفر لنا أخطاءنا فاغفر لها .. وكانت دائما تعفو عن هفواتنا فاعف عنها .. وكانت دائما تسامحنا فسامحها .. وكانت دائما تعطف علينا فاعطف عليها وارحمها.. فأنت أهل لأن تتجاوز وأنت أهل لأن تعفو وترحم .
إن مكانة الأم لا تعدلها مكانة , وفضلها لا يدانيه فضل .. وبرها واجب .. وتذكرها بر وصلة .. والدعاء الدائم لها من صفات الأنبياء والمرسلين , ومن شمائل المؤمنين الصالحين , قال تعالى على لسان عيسى بن مريم عليه السلام :\" قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) سورة مريم
. لأمك حق لو علمت كبير *** كثيرك يا هذا لديه يسير
فكم ليلةٍ باتت بثقلك تشتكي *** لها من جواها أنةٌ وزفير
وفي الوضع لو تدري عليك مشقةٌ *** فكم غصص منها الفؤاد يطير
وكم غسلت عنك الأذى بيمينها *** ومن ثدييها شربٌ لديك نمير
وكم مرةٍ جاعت وأعطتك قوتها *** حنواً وإشفاقاً وأنت صغير
فضيعتها لما أسنت جهالةً *** وطال عليك الأمر وهو قصير
فآهٍ لذي عقل ويتبع الهوى *** وواهاً لأعمى القلب وهو بصير
فدونك فارغب في عميم دعائها *** فأنت لما تدعو إليه فقير
اشتقت اليك يا أمي